مــشــروع بــحــثــي مــشــتــرك بــيــن جــامــعــة نــيــويــورك أبــوظــبــي ومــنــتــدى ثــروات للــشــركــات الــعــائــلــيــة

المقالات

الشركات العائلية القوية في المغرب – شركة داري

تتركز الشركات العائلية المغربية في القطاعات التي تدر السيولة، وخاصة الصناعات الغذائية والتوزيع، وتتسم بالمرونة الواضحة في مواجهة تقلبات السوق التي مكنتها من الاستمرار لأجيال. عبر قصة شركة داري، يقدم د.هبة ود.عليوي دراسة حالة لشركة عائلية ذات مسيرة غنية.

بقلم البروفيسور عزدين العليوي والبروفيسور بدر هابا

طالما لعبت الشركات العائلية في المغرب دور القوة الدافعة للزخم الاقتصادي٬ فلهذه الشركات تاريخ يعود لمئات الأعوام. وتمثل هذه الشركات العائلية اليوم أكثر من 90٪ من الشبكة الاقتصادية بالمغرب. تتركز الشركات العائلية المغربية في القطاعات التي تدر السيولة٬ وخاصة الصناعات الغذائية والتوزيع٬ وتتسم بالمرونة الواضحة في مواجهة تقلبات السوق التي مكنتها من الاستمرار لأجيال. شركة داري نموذج لهذه الشركات العائلية التي لها مسيرة غنية. 

عائلة خليل: تاريخ مغربي رائد في صناعة الكسكس والعجائن الغذائية

تعود أصول عائلة خليل إلى فكيك٬  لكنها انتقلت عام 1946 إلى كرسيف٬ بجهة الشرق بالمغرب. ورث جميع الأخوة والأخوات العشرة ثقافة العائلة المرتبطة بريادة الأعمال٬ ومن ثم كان جزء كبير من مسارهم المستقبلي محددًا مسبقًا باعتبارهم أبناء وبنات تجار وسيحملون تقاليد آباءهم. 

أسس محمد خليل شركته عام 1995 وكان قد راكم في ذلك الوقت 25 عامًا من الخبرة في إنتاج الكسكس والعجائن الغذائية٬ وأصبح واثقًا من قدرته على توسيع نطاق أنشطته التجارية وإدارتها جيدًا. وتيمنًا بتقاليد كرم الضيافة المغربية٬ أطلق على علامته التجارية اسم “داري”. 

منذ البداية٬ استعان محمد خليل بأبناءه – سيدة وحسن – في إدارة داري كوسباط بهدف نقل مهامه لهم لاحقًا. 

وبفضل خبرة العائلة الطويلة ومعرفتها بالصناعة، أصبحت داري كوسباط بسرعة رائدة في سوق الكسكس المغربي.

قررت داري كوسباط توسيع آفاقها ودخول أسواق جديدة مدفوعة بنجاحها على الساحة الوطنية. ومن ثم٬ أرسلت الشركة في 1999 أول علبة كسكس لأوروبا٬ وبعد ذلك بوقت قصير انطلقت في نفس مسار النمو الكبير الذي حدث في سوقهم الوطني.

الابتكار والتوسع 

في 2001 كانت منتجاتها التقليدية قد أصبحت رائجة في الأسواق المغربية والأوروبية٬ فأصدرت داري كوسباط كسكس الشعير (البلبولة)٬ وهو المنتج الأول من نوعه في السوق العالمي. وقد مكن هذا المنتج المبتكر الشركة من أن تستمر في النمو. ومع نمو سمعة الشركة ونصيبها من السوق٬ كان من الضروري أن تزداد السعة الانتاجية لداري كوسباط حتى تتمكن من تقديم الكميات المطلوبة لتلبية احتياجات السوق. لكن مؤخرًا وصل موقع إنتاج الشركة العائلية إلى طاقته القصوى. 

في 2005 تم إدراج داري كوسباط رسميًا في البورصة٬ وهو ما فتح فرصًا جديدة في العمل. وقد حقق لها الاكتتاب العام شهرةً مكنتها من زيادة مبيعاتها وجمع الأموال اللازمة لتمويل إنشاء وحدة إنتاج أخرى واقتناء خط جديد لتصنيع الكسكس. وقد أعطى هذا الاستثمار الشركة المزيد من السعة الإنتاجية والقدرة على تحسين الكسكس والعجائن الغذائية التي تنتجها. 

في 2007 رفعت داري كوسباط سعتها الإنتاجية مرة أخرى عن طريق الاستثمار في موقع إنتاجي جديد في سلا. وهذه المرة٬ تمكنت الشركة العائلية من إضافة 50٪ إلى سعتها الإنتاجية. ويمثل سوق التصدير بالنسبة لداري كوسباط حاليًا 25٪ من الإيرادات٬ وتنوي عائلة خليل أن تستمر وألا تتوقف عند هذا الحد. 

آفاق المستقبل 

تهدف الطريقة التي تُتخذ بها القرارات الاستراتيجية في داري كوسباط على مدار العقدين الأخيرين أو أكثر إلى ما هو أكثر من نمو نصيبها من السوق. ففي عام 2012 حصلت الشركة على شهادة أيزو 22000 من فيريتاس٬ وهذا إقرار باحترامها لسلامة الغذاء. وقد أدت هذه الشهادة وغيرها إلى ارتفاع الطلب على منتجات داري كوسباط٬ مما دفع الإدارة العليا إلى زيادة الاستثمارات في عام 2014 وإنشاء خط إنتاج ثالث. وقد رفع هذا القرار السعة الإنتاجية السنوية من 52 ألف طن إلى 72 ألف طن. 

استمرارًا في البحث عن فرص جديدة٬ أطلقت داري كوسباط مجموعتها المتنوعة من المنتجات العضوية لتلبية توقعات المستهلكين المهتمين بمعايير الإنتاج العالية. وأخيرا٬ لتلبية الطلبات والتوقعات في سوقها الديناميكي٬ دشنت داري كوسباط توسعها في موقع الإنتاج الجديد (داري 2) حيث حصلت على خط إنتاج جديد للكسكس. ومن ثم٬ وصلت السعة الإنتاجية الكلية إلى 85 ألف طن في السنة. 

الحوكمة في داري: استراتيجية طويلة المدى لانتقال القيادة 

اتساقا مع رؤيته في تسليم الشركة لأبناءه٬ وضع محمد خليل خطة مبكرة لضمان استمرارية داري كوسباط. وبالفعل٬ لم يكن الاكتتاب في 2005 يهدف فقط إلى تمويل أنشطة الشركة وإنما كان يعني أيضًا الاستعداد للانتقال القادم. ومع إتمام الاكتتاب العام بنجاح وطرح 30٪ من رأس المال فيه٬ تم تناول مسألة انتقال القيادة ونقاشها بشكل مفتوح في عام 2010. 

في عام 2013 وزع المؤسس الـ70٪ الباقية من داري كوسباط بين فريق الإدارة من العائلة. وفي 2017 انسحب محمد خليل من الإدارة التشغيلية للشركة فسلم ابنه حسن خليل الإدارة العامة٬ ويشغل الأب الآن منصب رئيس مجلس الإدارة.

ونتيجة لخطة انتقال القيادة طويلة المدى هذه، استفاد الجيل التالي من عائلة خليل بميزة التطور المهني على مدار أعوام طويلة وتمكنوا من التقدم لمواقعهم الجديدة وهم مجهزون جيدًا.

واليوم٬ يستمر الجيل الثاني في طريقه متبعًا خطى المؤسس من حيث نمو الشركة والحوكمة أيضًا. 

قيادة داري كوسباط من الجيل التالي 

أصبح حسن خليل المدير التنفيذي للشركة متحملًا المسؤولية بدلًا من والده٬ مما كفل استمرار ميراث العائلة في النمو. سجلت داري كوسباط ارتفاعًا بنسبة 6.6٪ في الربع الثاني من 2021 مدفوعةً بحيويتها التجارية والتسويقية وتوسع شبكات التوزيع الخاصة بها مما عزز من موقعها في بيئة شديدة التنافسية. 

يمكن اعتبار حالة داري وشركة خليل العائلية نموذجًا عظيمًا لمسيرة طويلة في ريادة الأعمال والقدرة على الابتكار في الاقتصاد المغربي اليوم.

وبسبب تأثرها بالثقافة المغربية، تظل عائلة خليل على دراية بتواجد شركتها في المجتمع وتبقى مرتبطة به سواء على مستوى المغرب أو عالمياً.

ويبدو أن الجيل الثاني من العائلة سيستمر في احترام تقاليد الاهتمام بخلق الثروة الاجتماعية والوجدانية وتعزيز الأهداف الاجتماعية جنبًا إلى جنب مع ضرب مثل يُحتذى به في النجاح التجاري في المنطقة. 

تاريخ النشر: 14-فبراير-2023

نبذة عن الكتّاب

عزدين العليوي، بروفيسور في التمويل، رئيس قسم الشركات العائلية في ESCA، المغرب.

عزدين العليوي هو بروفيسور وباحث في تمويل وإدارة المشاريع العائلية. تركز أبحاثه على المسائل المتعلقة بالسياسات المالية والاستثمارية والأداء والخلافة أو التعاقب الوظيفي في الشركات العائلية، بالإضافة إلى ربطه هذه المسائل بالظروف والأوضاع الثقافية والاجتماعية والنفسية. 

بروفيسور بدر هابا، بروفيسور في التمويل، رئيس قسم الشركات العائلية في ESCA، وLARGEGO (جامعة القاضي عياض) المغرب.

بروفيسور بدر هابا هو أستاذ و رئيس قسم الشركات العائلية في ESCA و LAREGO في جامعة القاضي عياض في المغرب. يعمل بروفيسور بدر أيضاَ كمستشار ومدرب في تمويل الشركات. تركز أبحاثه على تمويل وإدارة الشركات العائلية.