مــشــروع بــحــثــي مــشــتــرك بــيــن جــامــعــة نــيــويــورك أبــوظــبــي ومــنــتــدى ثــروات للــشــركــات الــعــائــلــيــة

حوار

الاستناد للتاريخ – القوة الاستثنائية للشركات العائلية

تواريخ العائلات جزء لا يتجزأ من استمراريتها من جيل لجيل٬ وقصص النصر والهزيمة والتغلب على المحن تسمح لأفراد العائلة بالتعلم من الماضي والحفاظ على قيم العائلة. وفقًا للخبيرة في استراتيجيات الاتصالات مي القناوي٬ تمثل تواريخ العائلات أيضًا فرصة للاتصال بالآخرين من خلال الخبرات التي يمكن أن يألفها ويرتبط بها أفراد العائلة وغيرهم على حد سواء.

مقابلة مع مي القيناوي

عندما توثق العائلات إرثها المهني٬ فإنها لا تسجل أحداث الماضي فحسب. فتواريخ العائلات جزء لا يتجزأ من استمراريتها من جيل لجيل٬ وقصص النصر والهزيمة والتغلب على المحن تسمح لأفراد العائلة بالتعلم من الماضي والحفاظ على قيم العائلة. وفقًا للخبيرة في استراتيجيات الاتصالات مي القناوي٬ تمثل تواريخ العائلات أيضًا فرصة للاتصال بالآخرين من خلال الخبرات التي يمكن أن يألفها ويرتبط بها أفراد العائلة وغيرهم على حد سواء. لكن مي تؤكد أيضًا أن مفتاح الاستفادة الكاملة من تاريخ العائلة يكمن في كيفية استخدامه. تعتقد مي أن الناس لو اعتادوا الإشارة لتاريخ الشركة باعتباره مرجعية وإدماجه في الحمض النووي للشركة العائلية٬ فإن تواريخ الشركات يمكن أن تصبح أداة تواصل فعالة قادرة على إلهام وتحفيز كل أصحاب المصلحة في المنظمة والتأثير فيهم. 

كخبيرة في الاتصالات ذات خبرة لأكثر من 23 عامًا في قطاع السلع الاستهلاكية المتنامي بسرعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا٬ طورت مي منظورًا شاملًا في العمل ساهم في تشكيله إرث شركة عائلتها هي نفسها. فمي تمثل الجيل الرابع من إحدى أقدم الشركات بمصر التي أسسها جدها الأكبر عام 1927. وبالتالي٬ عاشت من خلال الحكي رحلة عائلتها الاستثنائية وهو ما تشجع الشركات العائلية الأخرى على تبنيه.

س: كفرد في شركة عائلية لها تاريخ طويل٬ ما قيمة تاريخ الشركات العائلية في رأيك؟ 

تاريخ الشركة العائلية مورد لا يقدر بثمن. لقد كبرت وأنا أسمع حكايات عن مصنعنا وكيف تعلم والدي العمل من جده وكيف كان يشاهد جده وهو يتحدث مع الناس ويسير الأعمال. لكن والدي اتخذ مسارًا مختلفًا٬ فلم يعمل في شركة العائلة. لكنه كان مرتبطًا بها بشدة من خلال الحكايات والخبرات التي عاشها مع جده لدرجة أنني أظن إنه ربما كان الحفيد الوحيد في جيله الذي أراد فعلًا العمل في شركة العائلة. ولأنني ابنته٬ سمعت أنا أيضًا عن تاريخ شركتنا الغني منه ومن آخرين في الأسرة. لكنني لم أعتقد أن العمل في شركة العائلة خيار مطروح أصلًا لعدة أسباب أهمها أن الإناث في عائلتي لم تعملن في الشركة من قبل. 

لم أفهم حقًا معنى أن أكون جزءً من شركة عائلية إلا مؤخرًا في مسيرتي المهنية حين عملت في شركة عائلية أخرى٬ ففهمت كيف ربطتني الحكايات التي سمعتها والقيم التي تعلمتها بأفراد الأسرة الآخرين. أعتقد إنه أمر مؤسف أن الكثير من أفراد العائلات التي لديها شركات لا يفكرون في تأثير حكاية شركتهم العائلية عليهم أو على العمل إلا عندما يُسألون عنها بشكل محدد أو عندما يقابلون تفاعلات شبيهة لدى عائلات أخرى. 

س: هل هناك أيضًا جوانب سلبية في تاريخ الشركات العائلية؟ 

تاريخ أي شخص بعضه جيد وبعضه سيئ. وقد وضع جدي الأكبر المبادئ الموجهة للشركة حين أسسها عام 1927. كان رجلًا ذا رؤية وبصيرة، وجد فرصة وبنى عليها. وأراد أن يستفيد الجميع في عائلة القناوي من الشركة التي بناها٬ وتركزت مبادؤه على هذا بأشكال عدة. لكنه أيضًا تبنى أفكارًا صار تقبلها صعبًا على الكثيرين من أفراد الأسرة مع الوقت والأجيال المختلفة. على سبيل المثال٬ أراد جدي أن تستفيد النساء من شركتنا لكنه لم  يعتقد أن النساء تستطيع العمل في الشركة. وواحدة من أخطر القواعد التي وضعها أن الابن الأكبر هو الذي يجب أن يقود شركة العائلة دائمًا. وبالطبع٬ كان هذا يعني أن العائلة لم تستطع الاستفادة من قدرات الشخص الأنسب والأكثر معرفة وشغف وموهبة لتسيير الشركة.

العمل مع عائلتك قد يكون عبئًا كبيرًا٬ وبعض القرارات تبدو سيئة عند التفكير فيها لاحقًا بشكل موضوعي. لكن حين تطرح هذا في العائلة٬ غالبًا ما يُعتبَر هذا هجومًا على الفرد الذي صنع القرار وليس تقييمًا أمينًا للموقف.

وتلعب العواطف عادةً دورًا كبيرًا في التفاعلات، لكن من المهم أن يفهم كل شخص منخرط في الشركة أن الهدف ليس النقد وإنما تحسين صنع القرارات بهدف التعلم والنجاح في المستقبل. 

س: ما هي الآثار الإيجابية للتنظيم والتوثيق الجيد لتاريخ الشركة العائلية؟ 

سأعطي لك مثالًا من شركة عملت فيها لمدة 13 عامًا. كانت شركة عائلية عالمية شهيرة لديها حوالي 65 ألف موظف يعملون في أكثر من مئة دولة في ذلك الوقت. يتم تعريف الموظف الجديد بالشركة وبتاريخها أيضًا في أول أسبوع عمل له. ولاحقًا حينما يترقى الشخص في الشركة ويبقى فيها طويلًا٬ يزور مكتبها الرئيسي ويتجول في متحفها ليعرف محطات نجاحها الأساسية بالإضافة إلى أخطاءها وآثار تلك الأحداث المختلفة عليها كمنظمة. يتم توثيق تاريخ الشركة وعرضه على موظفيها لسبب وجيه جدًا٬ وهو أنهم يريدون أن يعرف الجميع في الشركة رحلتها تلك ويرتبطون بها٬ وأن يشعر الموظفون بأنهم هم أيضًا جزء من الرحلة. وقد حدث هذا لنا فعلًا. 

ربما الأكثر أهمية من التاريخ الموثق والمرئي هو أن الجميع في الشركة كانوا يتحدثون دائمًا عن تاريخ الشركة لتصير قصة الشركة بالنسبة لهم أكبر من مجرد مجموعة من النوادر والحكايات ويتمكنون من الربط بينها وبين خبراتهم.

وعندما يحدث هذا٬ حتى الناس الذين ليسوا جزءً مباشرًا من العائلة قد يتشجعون على التماهي معها. لقد رأيت بنفسي أن تسجيل تاريخ عائلتك هو البداية فقط٬ فما تفعله به هو المهم حقًا.

س: لماذا تواجه الشركات العائلية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مصاعب في توثيق إرثها في رأيك؟ 

أعتقد أن الكثير من العائلات لا تفهم أهمية توثيق ماضيها. قد تكون هناك أيضًا تخوفات من أن طرح تاريخهم للعلن سيكشف عيوبًا عن الأفراد يجب احترامها وحمايتها. وفي بعض الحالات، قد يعود الأمر إلى أن بعض العائلات لا تشعر بأن لديها قصة تستحق الحكي. 

العائق الآخر الذي يواجه العائلات هو أن توثيق تاريخهم وخبراتهم بشكل حقيقي وموضوعي مهمة شاقة. فتحديد قصص يرويها الناس من منظورات مختلفة ونقلها للآخرين قد يكون أمرًا صعبًا. 

أخيرًا، أعتقد أن هناك ميل طبيعي للتركيز على المستقبل وليس الإسهاب في تناول الماضي. ونتيجةً لهذا، يريد الكثيرون ترك الماضي خلفهم. أعتقد أن المجتمعات في العالم العربي من طباعها احترام الماضي لكن مع تركه لحاله بلا إزعاج. لكننا بحاجة للتعرف على القيمة والمعرفة الموجودين في ماضينا والارتكاز إليهما لدفعنا ودفع شركاتنا نحو مستقبل أفضل.

س: كيف يمكن للعائلات أن تتغلب على هذه العقبات وتصبح أكثر انفتاحًا على عملية توثيق تاريخ شركاتها؟ 

من المهم التعاون مع الشركاء المناسبين في عملية التوثيق سواء كانوا جمعيات أو جامعات أو استشاريين مستقلين. ويجب التفكير في المسؤول عن عملية الأرشفة باعتباره شخص مهتم بإرث العائلة الذي هو شيء نفيس جدًا. فالعائلات تحتاج أن تطمئن إلى أن الشخص الذي يسمع هذه المعلومات السرية لن يستخدمها بطريقة مؤذية. ويجب أن تبحث العائلات عن شخص  شغوف بسرد قصتهم. قد يكون شخصًا من جيل أحدث مهتمًا بمشاركة إنجازات جده أو جدته ويأمل في اتباع خطاهم. وكلما زاد الحماس للمشروع٬ صار إقناع الآخرين بالمشاركة أكثر سهولة. لكن الكيفية التي تستخدم بها العائلات تاريخها الموثق على نفس القدر من الأهمية٬ وهي كفيلة وحدها بتقليل المقاومة وإشراك الجميع.

تاريخ النشر: 14-مارس-2023

ضيف

مي القيناوي، إستراتيجية اتصالات، ومؤسسة شركة ترو نورث كونسلتنج.

مي هي عضو من الجيل الرابع في شركة عائلية، وقد عملت إلى جانب الشركات العائلية لمعظم حياتها المهنية. عملت مي على دمج خبرتها الفنية في الاتصالات الاستراتيجية وقيادة أصحاب المصلحة المتعددين مع فهمها لطبيعة ديناميكيات العمل في المشاريع العائلية لتقديم ثقافة متينة في الحوار والمشاركة والأداء. بفضل إلمامها بالاختلافات المعقدة حول الأعمال العالمية والجهات الحكومية والرأي العام، تمكنت شركتها من تقديم الاستشارات لكبار قادة الأعمال خلال مرورهم عبر أنظمة معقدة في مسيراتهم المهنية.