مــشــروع بــحــثــي مــشــتــرك بــيــن جــامــعــة نــيــويــورك أبــوظــبــي ومــنــتــدى ثــروات للــشــركــات الــعــائــلــيــة

المقالات

ابقوا قريبين: كيف نحقق التوافق بين الأجيال المختلفة؟

تسيطر الشركات العائلية على التنمية الاقتصادية حول العالم. وجد د. دينيس چاف أن العوامل التي تميز العائلات التي تمتلك شركات لها تراث وكذلك العائلات التي لديها استثمارات وأصول مشتركة منظمة في مكاتب عائلية بطريقتين أساسيتين.

بقلم د. دينيس جافي

تسيطر الشركات العائلية على التنمية الاقتصادية حول العالم. ويمكن تحديد العوامل التي تميز العائلات التي تمتلك شركات لها تراث وكذلك العائلات التي لديها استثمارات وأصول مشتركة منظمة في مكاتب عائلية بطريقتين أساسيتين: 

أولا، أن يكون لدى الملاك علاقة شخصية بالشركة، أي لديهم ارتباطات والتزامات وقيم وأهداف مشتركة تتجاوز العوائد المالية فقط. 

ثانيا، أن يكونوا راغبين في تمرير ثروتهم ونجاحهم عبر الأجيال، وبالتالي يركزون على المدى الطويل.

يسمح هذان العاملان لتلك العائلات بالقيام بأمور تضيف مرونة للعمل وتجعلهم أكثر قدرة على التكيف من الشركات غير العائلية. ورغم أن الصراع ينشب بين أفراد العائلة الواحدة أحيانًا، تمكنهم الروابط القائمة بينهم من التعاون وتحقيق أهداف طموحة. 

بعد التقاعد من العمل في المجال الأكاديمي منذ ثماني سنوات، بدأتُ رحلة في جميع أنحاء العالم لأرى كيف تزدهر المشروعات العائلية العالمية التي تعاقبت فيها الأجيال. 

سافرت لأكثر من عشرين بلدًا، وعقدت مقابلات مع جماعات نجحت كعائلات ممتدة وكمشروعات عائلية على مدار ثلاثة أجيال. تحدثت مع قيادات عائلات من جيلين مختلفين، وسألتهم ماذا فعلوا كعائلة وكشركة لتنمية ثرواتهم المالية وغير المالية. هذه القصص مذكورة في كتابي (قرض من أحفادك: تطور شركات عائلية عمرها مائة عام، الناشر: وايلي، 2020).  

أعرض فيما يلي الموضوعات الأساسية التي برزت من الحوارات التي أجريتها معهم: 

بناء علاقات صحية 

بعد تحقيق الشركة للنجاح، التزم الجيل الثاني أو الثالث بتكريس ثروتهم لصنع عائلة عظيمة باعتباره استثمار في المستقبل. وأدى بهم هذا للتركيز على علاقاتهم وأهدافهم وأنشطتهم كعائلة ممتدة متنامية. 

الحفاظ على الأساس 

أهم عنصر اعتبرت العائلات أنه وراء النجاح كان قدرتهم على البناء على القيم المشتركة. فحتى لو تطورت العائلة على مدى أجيال، كانوا دائما يشيرون للقيم التي ورثوها على أنها مرجعيتهم. فكل جيل تبناها وعدل فيها باعتبارها الأساس الذي يبقيهم معًا. 

ترسيخ القيم 

لم تكن القيم المرجوة كافية وحدها، فهذه العائلات خلقت تنظيمًا مهنيًا وعائليًا مركبًا لتطبيق رؤيتها وقيمها وأهدافها.

صنعوا هياكل ومجموعات عمل وسياسات، واستثمروا الوقت والجهد في تحديد تنظيم للعمل (مجالس للإدارة ومجالس للمالكين) وتنظيم للعائلة (جمعيات ومجالس عائلية) وربطها جميعًا بدستور أو ميثاق للعائلة. 

تتعاون هذه الهياكل المتوازية باعتبارها سبل للحوكمة الفعالة للشركة العائلية، والتي تتجاوز مجرد وجود اتفاقيات وسياسات. فالحوكمة العائلية الجيدة عبارة عن دورة من الأنشطة تتطلب مستوى عاليًا من الانخراط لتنظيم وتطوير بيوت العائلة الممتدة صاحبة الشركة. 

خلق تحالف مثمر 

لتحقيق أهدافهم، كان على العائلة أن تتطور من ثقافة يقودها شخص واحد ذو بصيرة إلى ثقافة تعتمد سياسات وممارسات واضحة مستندة إلى التعاون والشراكة. وطَوال مسيرتها، كانت القيادة والأدوار الأساسية موزعة على العديد من أفراد العائلة ولم تكن متمركزة في شخص واحد. 

تضمنت الثقافة التعاونية اشتراك العديد من المجموعات الأساسية من أصحاب المصلحة. وهذا هو التحالف المثمر، حيث يمسك الشيوخ بالمواقع القيادية والقيم المتوارثة ويساهم الجيل الصاعد بمهاراته في ريادة الأعمال مع وعيه بتغير المسؤوليات والممارسات، أما المسؤولين التنفيذيين والاستشاريين من غير أفراد العائلة فيرتبطون بالقادة أصحاب المسيرة الطويلة لكنهم ينصتون أيضًا للجيل الصاعد ويساعدون في تطويره. 

التغيير للأحسن 

تطورت العائلات الناجحة باستمرار بهدف إضافة القيمة لعملهم. كل جيل التزم تجاه الجماعة موفرين مخرجًا لمن لم يريدوا أن يكونوا جزءً من المشروع. وكانوا باستمرار يعيدون تشكيل شركتهم وما يفعلونه كعائلة. 

ولهذا كله كرسوا الوقت والجهد لبناء العلاقات وتعاون الأجيال الأقدم والأصغر تعاونًا فعالًا. 

كانت الأجيال الأكبر والأصغر تقضي الوقت معًا يتشاركون ويجدون حلولًا لاختلافاتهم، ويتمكنون من أن يتعلم كل منهم من الآخر. غالبًا ما تجد هذه العائلات سبلًا لإشراك ثلاثة أجيال أو أكثر في مجموعة متنوعة من الأدوار متجاوزة الحدود التقليدية. 

الاستثمار في المستقبل 

استثمرت هذه العائلات في كل جيل جديد. ويجب على من سيصبحون المُلاك في المستقبل أن يفهموا التعقيدات الموجودة وأن تكون مشاركتهم مستندة لأساس معرفي سليم لكي يتمكنوا من لعب دور الإدارة في مشاريع العائلة. فقد استثمرت هذه العائلات الناجحة في الخطط التنموية والتعليم لأجيالهم الصاعدة ليس فقط بهدف إيجاد قادة للشركة في المستقبل وإنما أيضا لتوزيع الأدوار على الجميع في عملية الإدارة بشكل بناء، وطورت برامج تعليمية فعالة منتظمة كانت جزءً من لقاءاتهم العائلية بهدف دعم تطور الأفراد. 

التحلي بالتواضع 

أدركت هذه العائلات أنها كانت سعيدة الحظ في نجاحها، وأن هناك آخرين في مجتمعها (مثل الموظفين والزبائن والموردين والمستشارين والأصدقاء) ممن قدموا لها العون. وهكذا، عبروا عن الاحترام لمجتمعاتهم واتسموا بالعطاء لها، واستجابوا أيضا للمخاوف التي تشغل الناس قبل شركتهم. فطوروا مؤسسات وقدموا الخطط والدعم لأفراد الأسرة الذين ساهموا بطرق كثيرة ومتنوعة.

وكانت رسالتهم الاجتماعية بمثابة الصمغ الذي يربط أفراد العائلة الشباب بميراثهم ويمنح أدوارًا هامة لمن أرادوا صنع فارق. فكان الامتنان والتواضع والإدارة الحصيفة ركائز أبقت شركتهم في مكانة عالية. 

كل هذه الممارسات تسمح لأفراد العائلة بأن يبقى كل منهم على مقربة من الآخرين وأن يمرروا الثروات المختلفة التي لديهم عبر الأجيال. وسواء استمروا في امتلاك شركتهم التي ورثوها أو أسسوا مكتبًا عائليًا لإدارة أصول مشتركة متنوعة، يمكن أن تحافظ هذه المجموعات على اتصالها والتزام كل منهم تجاه الآخر على المستوى الشخصي كعائلة متوافقة في كل المساحات التي يشغلونها. 

تاريخ النشر: 17-يناير-2023

نبذة عن الكاتب

د. دينيس جافي، زميل أبحاث أول، شركة بانيان لاستشارات الشركات العائلية

د. دينيس جافي هو مستشار في مدينة سان فرانسيسكو للأسر فيما يتعلق بالأعمال التجارية العائلية وشؤون الإدارة والثروة والأعمال الخيرية. يعمل د.دينيس كزميل أبحاث أول في شركة بانيان لاستشارات الشركات العائلية، وهو مؤلف كتاب (قرض من أحفادك: تطور شركات عائلية عمرها مائة عام)، كما نشر د. دينيس العديد من الكتب الأخرى. تمكن بفضل معرفته وبصيرته الشاملة من تقديم استشارات لتعاقدات في آسيا وأوروبا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية. وقد نال د.دينيس على الجائزة العالمية لعام 2017 من معهد الشركات العائلية (Family Firm Institute)، وجائزة بيكارد (Beckhard) لعام 2015، وفي 2020، تلقى د. دينيس ثناء خاص كرائد فكري في مجال إدارة الثروات من قِبل (Family Wealth Report).