الإرث يبدأ الآن

تبين الخبرة كيف يمكن للإرث أن يلهم الناس الإبداع والابتكار وريادة الأعمال. نشأة عبد الرحمن البسام في شركة العائلة جعلته يستقي الإلهام من جده الأكبر٬ عبد العزيز علي البسام٬ الذي أسس شركة البسام وأولاده وقادها لأكثر من نصف قرن. فمن خلال حكايات انتصار جده على الشدائد٬ لم يَنْمُ الحافز لدى عبد الرحمن لبدء شركته الخاصة فقط وإنما أصبح أيضًا مدركًا لقوة السرد وقدرته على تحويل التقاليد لأفعال بناءة. 

وباعتباره الرئيس التنفيذي لتلال للتطوير العقاري ورئيس مشاريع عون يبحث عبد الرحمن البسام باستمرار عن فرص لإلهام الآخرين من خلال دروس التاريخ. نورة – زوجة عبد الرحمن والشريكة المؤسسة لمشاريع عون – تنحدر أيضًا من عائلة سعودية بارزة في عالم الشركات لها إرث قوي يضيف المزيد من الزخم لعملهما. 

دمج عبد الرحمن ونورة هذا الإرث المزدوج في عون مستندين إلى قوة رواية القصة لتشجيع أفراد العائلة والآخرين من غير أفراد العائلة أيضًا. يدرك عبد الرحمن أيضًا الضغط الذي يمكن أن يحدثه الإرث العائلي على حوكمة أي شركة عائلية٬ والتأثير الذي يمكن أن يلعبه على صنع القرار. لكن حتى النتائج السلبية لا تخلو من فائدة٬ ولهذا يؤمن عبد الرحمن بأهمية توثيق كل القصص.

س: كيف يمكن لإرث الشركات العائلية القائمة اليوم أن يلهم الجيل الحالي من القادة ورواد الأعمال؟ 

إرث أي شركة – خاصةً من الشركات التي تمتد عبر عدة أجيال – يجب أن يستحث الشعور بالاعتزاز والمسؤولية لدى الأجيال التالية. فلو عاشت شركة ما لقرن من الزمان٬ يجدر بقيادتها الحالية أن تشعر بإلهام يدفعها لاستمرار هذا النجاح لمائة عام أخرى. 

مثل هذا الإرث يجب أن يثير أيضًا نقاشات عن كيفية تحفيز أفراد المنظمة من غير أفراد العائلة.

فرواية القصة أساسي بنفس القدر لبناء العلاقات مع أصحاب المصلحة من أفراد العائلة وغير أفراد العائلة في كل جيل.

وهو أيضًا طريقة فعالة لجلب اهتمام المستثمرين الذين قد يلهمهم مؤسس الشركة أو الإنجازات البارزة الأخرى.

س: الإرث أمر معقد – كيف يمكن أن تتعامل العائلات مع قصص اللحظات الصعبة أو الإخفاقات؟ 

أن يكون لعائلة المرء إرث معروف لهو امتياز كبير ويأتي معه الكثير من المنافع. فعلى سبيل المثال٬ غالبًا ما يُكون الآخرون انطباعاتهم الأولى عن شخص ما بناء على إرث عائلته وسمعتها الجيدة.

لكن الإرث قد يكون عبئًا أيضًا، فهناك ضغط على المرء لكي لا يفشل أو يحبط الآخرين.

ومن ثم٬ قد يتأثر صنع القرار بأشكال سلبية وإيجابية أيضًا. الضغط المعنوى الذي يأتي مع إرث العائلة قد يجعل بعض الاختيارات التشغيلية صعبة٬ خاصةً عند التعامل مع الجوانب التي لا تعمل جيدًا في الشركة. فلا أحد يريد أن يصبح العضو الذي لطخ إرث عائلته. لكن ذلك القلق الكامن يجب ترويضه٬ بل يمكن استخدامه أيضًا كفرصة للتعلم. 

س: كيف يمكن الاستفادة من تاريخ شركة عائلية لمواجهة التحديات التشغيلية؟ 

تاريخ أي شركة عائلية غالبًا ما يكون حافلًا بالتحديات التي تم التغلب عليها. ويمكن مشاركة الكيفية التي نجح بها مؤسس الشركة في التعامل مع الأزمات وغيرها من المعوقات مع الجميع من خلال رواية القصة. ومن المؤسف أن استكشاف إرث شركة عائلية من خلال القراءة ليس منتشرًا في منطقتنا كما في الغرب٬ لكنه يتطور. ويبقى للقصة تأثير إيجابي قوي على من يواجهون مواقف صعبة أو جديدة. 

س: كيف يمكن للعائلات التي ليس لديها ارتباط قوى بتاريخها أن تستلهم إرثها؟ 

قد يكون هذا صعبًا٬ خاصةً بالنسبة للشركات التي ابتعدت عن مؤسسها بثلاثة أجيال على سبيل المثال. يكمن الحل في البحث ودراسة الوثائق ومن ثم يعود ذلك إلى صياغة القصة وروايتها مجددا. فالشركات العائلية التي تشعر بالانفصال عن تاريخها يجب أن تدرس مؤسسيها والقادة الآخرين في الشركة. وستكتشف نكسات تم تجاوزها٬ وفرص تم الاستفادة منها٬ ولحظات ضعف تحولت لقوة.

ففهم أحداث الماضي ونقلها للآخرين هو أساس بناء إرث عائلي.

س: كيف يمكن للعائلات أن توثق إرثها المستمر للأجيال القادمة؟ 

العامل الأهم هو بدء العملية على الفور٬ وهناك سبل كثيرة للقيام بهذا منها كتابة اليوميات. لقد صارت كتابة اليوميات رائجة في الغرب٬ لكنها لم تترسخ بعد في منطقتنا. واليوميات قادرة على الإمساك بالطبيعة العاجلة والجوهرية للأحداث والأفكار والمشاعر مما يجعلها أداة فعالة لتوثيق تواريخ العائلات والشركات. ومثل معظم العادات الصحية٬ يعتبر الانضباط أساسيًا للحفاظ على هذه الممارسة خاصةً في عالم اليوم الذي تكثر فيه المُشتتات. لكن فكرة بناء الإرث توفر حافزًا قويًا. 

هناك جانب آخر هام في كتابة اليوميات٬ وهو أنها تسمح للأفراد برواية قصصهم بطريقتهم الخاصة. ازرع بذور الخبرة مبكرًا قدر الإمكان. وقبل أن يمضي وقت طويل٬ سينمو الإرث.

س: كيف يمكن للعائلات أن تبني على خبراتهم المشتركة للحفاظ على الاستمرارية والمساعدة في الانتقال من جيل لآخر؟ 

الحفاظ على العلاقات بين أفراد العائلة الأساسية والعائلة الممتدة قد يصبح أكثر صعوبة مع مرور الزمن. أعتقد أن العائلات يجب أن تكون صريحة مع نفسها٬ وأن تفهم أنه سيكون هناك تحديات مع تعدد الأجيال في الشركة. وضع ميثاق عائلي لمساعدة أفراد العائلة على مواجهة المشكلات الشخصية يمكن أن يفيد في الاستمرارية عبر الأجيال. وبشكل عام٬ حوكمة أي شركة عائلية يجب أن تتكيف مع الواقع المركب الذي نواجهه عند وضع الأهداف وخاصةً في مراحل التحول في هيكل المنظمة. 

من الأمور الأساسية الاستعداد لعمل نقاشات مفتوحة داخل العائلة عن قيمها وعن العلاقات العائلية التي ساعدت في إنجاح الشركة عبر الأجيال.

فالأفراد المستعدون لخوض تحدي الحفاظ على إرث عائلاتهم والبناء عليه وتنميته تزداد فرص نجاحهم حين يمتلكون رؤية قوية ويتسمون بالتفاؤل والواقعية في نفس الوقت. علاوة على ذلك٬ نقل هذه السمات للآخرين أمر جوهري. فحين توطد العائلات رباطًا مشتركًا بين كل أفرادها٬ فإنها تخلق ما يشبه الصمغ الذي سيحافظ على شركاتهم لأجيال.

تاريخ النشر: 3-مارس-2023